القاهرة - ياسر ابراهيم - الأحد 12 يناير 2025 10:30 صباحاً - أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، العدد الثامن من مجلته الدورية «آفاق صناعية» تحت عنوان «الصناعات الدوائية»، والتي استعرضت العديد من مقالات الرأي لمجموعة من الخبراء والأكاديميين والمتخصصين، تسلِّط الضوء على موضوع العدد، بهدف تعزيز آليات البحث والتطوير في مجال صناعة الأدوية، منها مقالات حول اتجاهات وآفاق صناعة الدواء عالميًا مع التركيز على التجربة الصينية، ومجال الصناعة الدوائية في الهند، والملكية الفكرية في الصناعات الدوائية، كما تضمنت المجلة عروضًا بحثية لبعض القضايا والموضوعات ذات الصلة بـ «الصناعات الدوائية»، ورصد للعديد من التجارب الدولية الخاصة بموضوع العدد.
ومن مقالات الرأي التي تضمنها العدد، مقالًا بعنوان «تطور صناعة الدواء العالمية من الأعشاب إلى الأدوية الحديثة» للدكتور آية سليمان، صيدلانية -الأمانة الفنية للمجلس الاستشاري الطبي للهيئة العامة للرعاية الصحية، حيث أوضح المقال أن صناعة الأدوية محرك أساسي للنمو الاقتصادي فهي من أكبر مصادر توليد الثروة في العالم إذا تساهم بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي للدول، إذ تُقدر قيمة السوق الدوائية العالمية بتريليونات الدولارات، وقد شهدت السوق نموًا كبيرًا خلال العقدين الماضيين وبلغ إجمالي إيرادات الأدوية في جميع أنحاء العالم 1.4 تريليون دولار أمريكي عام 2022 ومن المتوقع أن تنمو إلى 1.8 تريليون دولار بحلول عام 2026، وعلى الصعيد الآخر فإن صناعة الأدوية العالمية تعد ركيزة قوية لتوليد ملايين من فرص العمل بداية من أقسام البحث والتطوير ثم التصنيع ثم التسويق والتوزيع حتى أبحاث ما بعد البيع.
وارتباطًا، توفر صناعة الأدوية وظائف للأفراد في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، كما يهتم قطاع الصناعات الدوائية بتحفيز البحث العلمي والتطوير أكثر من أي صناعة أخرى حيث تستثمر الشركات حوالي 20% أو أكثر من إيرادات مبيعاتها في مشروعات البحث والتطوير، وتشير التقارير إلى أن التطور المستمر في التركيبات الصيدلانية والصناعات الدوائية كان السبب بنسبة 73% في زيادة متوسط عمر الإنسان في 30 دولة نامية ومرتفعة الدخل، ولا يجب إغفال تأثير شركات الأدوية ودور البحث العلمي في أزمة جائحة كورونا 2020 وحتى الآن، حيث قادت تلك الشركات مسيرة تطوير العلاجات الجديدة واستحداث لقاحات كوفيد-19.
كما استعرض المقال التجارب الدولية الرائدة في صناعة الدواء مثل «الولايات المتحدة الأمريكية، وسويسرا، والمملكة المتحدة، واليابان»، واستعرض أيضًا الدول الناشئة في هذا المجال والتحديات والفرص التي أمامها، حيث أوضح المقال أن مصر من الأسواق الناشئة الواعدة في قطاع صناعة الأدوية بشكل عام وأحد أكبر وأهم الأسواق في إفريقيا، ويرجع ذلك إلى موقعها الجغرافي الاستراتيجي المتميز والذي يجعلها مركزًا إقليميًا لتوزيع الأدوية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بالإضافة إلى تطور البنية الصناعية لمصر بصورة تدعم صناعة الأدوية، وإنشاء العديد من المناطق الصناعية المتخصصة، كما تعد مصر أكبر منتج ومستهلك للأدوية في إفريقيا بقيمة سوقية تقدر بـ 56.6 مليار دولار عام 2023، وهي لاعب مهم في سلاسل التوريد العالمية للمنتجات الصيدلانية حيث سجلت صادرات بقيمة 400 مليون دولار في عام 2023 مما يدل على قوة وأهمية القطاع للاقتصاد المصري، ومن المتوقع أن تشهد السوق في المستقبل معدل نمو سنوي ثابت «معدل النمو السنوي المركب 2024- 2029 بنسبة 5.48% ليبلغ حجم السوق 2045 مليون دولار أمريكي بحلول عام 2029.
يساهم القطاع العام والخاص بشكل كبير في تحقيق الاكتفاء الذاتي في السوق الدوائية المصرية حيث تصل نسبة التغطية الذاتية إلى 91% من إجمالي مبيعات السوق، مما يعكس القدرة على تلبية احتياجات السوق المحلية والتحكم في العرض والطلب وتتم تغطية النسبة المتبقية من المبيعات والتي تبلغ 9% فقط من خلال المستحضرات المستوردة تامة الصنع، وتبذل الدولة المصرية جهودًا حثيثة لتقديم كافة أشكال الدعم لقطاع صناعة الأدوية فأصبحت تتبنى سياسات داعمة للصناعات الدوائية من خلال تشريعات ملائمة، تقديم حوافز استثمارية، تسهيل الإجراءات وتخفيف القيود التنظيمية والقضاء على البيروقراطية، فأبرمت الحكومة المصرية العديد من الشراكات والاتفاقيات مع الدول الرائدة عالميًا وعربيًا بهدف تبادل الخبرات والتكنولوجيا وجذب الاستثمارات.
كما عقدت الدولة العديد من الاتفاقيات ومنها «اتفاقية التعاون الفني مع المملكة العربية السعودية» بهدف تنمية العلاقات الاستثمارية بين البلدين - ليس فقط من ناحية القيمة المادية ولكن من حيث القيمة المضافة لاقتصاد البلدين - لدعم قطاعات البنية التحتية والخدمات اللوجستية والتكنولوجية والطبية، كما عقدت شراكة مع الإمارات العربية المتحدة بهدف إنشاء مصنع مشترك لتصنيع الأدوية في مصر، بالإضافة إلى التعاون مع الأردن لتشجيع التصنيع المشترك بين الأدوية وتصديرها للدول العربية والإفريقية، وذلك لأهمية دور مصر بين الدول العربية لتعزيز التكامل الاقتصادي العربي في مجال الأدوية ودعم البحث العلمي والتطوير في مجال صناعة الأدوية.
هذا، وقد اتخذت مصر خطوة مهمة نحو تعزيز صناعة الدواء واستطاعت دخول قطاع الصناعات الدوائية لتأمين الاحتياجات المحلية وذلك من خلال مشروع «مدينة الدواء المصرية-جيبتو فارم» والذ يعد من أهم المشروعات القومية التي سعت الدولة لتنفيذها لامتلاك القدرة التكنولوجية والصناعية الحديثة في هذا المجال الحيوي مما يتيح للمواطنين الحصول على علاج دوائي عالي الجودة وآمن ويمنع أية ممارسات احتكارية ويضبط أسعار الدواء، وذلك دعمًا للجهود التي تقوم بها الدولة في مجال المبادرات والخدمات الطبية والصحية المتنوعة للمواطنين.
ومن مقالات العدد مقالًا بعنوان «آفاق وتحديات صناعة الدواء» للدكتورة ولاء حسين سري كيلاني -مفتش بهيئة الدواء المصرية-، والتي تناولت خلاله تطور صناعة الدواء في مصر مع استعراض تجارب «تركيا، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والجزائر»، بالإضافة إلى استعراض توجهات تنمية صناعة الدواء في المنطقة.
كما تناولت من خلال المقال واقع صناعة الدواء المصري حيث تستفيد تلك الصناعة من المزايا العامة المتوافرة في مصر والتي من أهمها توافر العمالة الماهرة منخفضة التكلفة وتوافر السوق الكبيرة التي تمتص القدر الأكبر من الإنتاج والموقع المتميز الذي يخفض من تكلفة الوصول لأسواق آسيا وإفريقيا وأوروبا.
ولم تكتف الدولة المصرية بتك المزايا العامة ولكنها عززت منها بامتلاك مزايا جديدة أهمها تطوير البنية التحتية المتكاملة والانخراط في الكثير من التكتلات الاقتصادية التي تفتح الأسواق أمام منتجات الدواء المصري ثم قامت بإجراءات خاصة تهدف إلى تعزيز نمو صناعة الأدوية كان من أهمها في الإطار التنظيمي «تأسيس صندوق مصر الفرعي للخدمات الصحية والصناعات الدوائية» والذي تأسس عام 2020 ومن أهدافه توطين الصناعات الدوائية ودعم سلاسل القيمة لتلك الصناعات، مع اعتبار أن ذلك الصندوق هو الآلية الأكثر مرونة على دخول الدولة في شراكات مع القطاع الخاص في مجال الصناعات الدوائية.
وفي إطار تطوير بنية قطاع الصناعات الدوائية تم إنشاء مدينة الدواء على مساحة 180 ألف متر مربع لتكون من كبرى المدن الدوائية في الشرق الأوسط وقد وصلت طاقتها الإنتاجية في عام 2023 إلى 26 مليون عبوة وصولًا إلى مستهدف المدينة بأن يصل حجم الإنتاج إلى 60 مليون عبوة في عام 2024، وفي مجال الدعم الحكومي أطلقت هيئة الدواء المصرية "مبادرة دعم التصدير" في فبراير 2021 بهدف دعم ومتابعة الصادرات المصرية من المستحضرات الطبية والعمل على رفع التنافسية العالمية لها وتعد شركة «فاكسيرا» التي أنشأت مجمعًا متكاملاً لصناعات اللقاح بمثابة نموذج ناجح للتوجهات الحكومية لدعم مسار نقل التكنولوجيا عبر الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص حيث تأسست بالشراكة بين شركة سيرم الهندية والشركة القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات بطاقة إنتاجية 24 ألف جرعة في الساعة.
وتطرق المقال إلى مستقبل صناعة الدواء المصري حيث أوضح أنه على الرغم مما تمتلكه الدولة المصرية من عناصر قوة في صناعة الأدوية وما حققته من نتائج جيدة في نمو تلك الصناعة، فإنها تواجه تحديات أيضًا منها «ارتفاع تكلفة المواد الوسيطة والمواد الخام المستوردة من الخارج، وتأثير اتفاقية «TRIPS» والتي تضع قيودًا على صناعة الدواء في مجال حقوق الملكية الفكرية، وتنافسية الأسواق، والالتزام بالمواصفات المقبولة علميًا والسارية عالميًا، وقيود عمليات تسجيل الدواء في عدد من أسواق التصدير».
ومع ذلك فالمؤكد هو أن مستقبل صناعة الدواء المصري تتشكل في ضوء قدرة الدولة المصرية على التعامل مع التحديات التي تواجه تلك الصناعة لا سيما في مجال تطوير آلية التسعير، في ضوء التغير المستمر للتكاليف وزيادة مخصصات البحث العلمي والابتكار لهذا القطاع، وتطوير آليات التعاون الدولي مع الأسواق الخارجية، لا سيما في مجال تسجيل الدواء المصري، والدعوة إلى توحيد القواعد المنظمة لتسجيل الدواء في التكتلات الاقتصادية التي تشترك فيها مصر مثل «السوق العربية المشتركة، والكوميسا، ودول منظمة التجارة الحرة الإفريقية، وتكتل البريكس، والتعامل الأكثر كفاءة مع الالتزامات الدولية المقررة في اتفاقية «TRIPS» لتحقيق أقصى استفادة منها وتجنب أكبر قدر من الأضرار»، ومن أن يتم تقرير حوافز للمستثمرين تتناسب مع خصوصية تلك الصناعة إلى جوار الحوافز العامة التي يقررها قانون الاستثمار، مع الحد من البيروقراطية وتسهيل إجراءات تأسيس الشركات الدوائية الجديدة، ويظل التعاون العربي من أهم مقومات نجاح صناعة الدواء في مصر والدول العربية من خلال بناء صناعات دواء تكاملية وليست تنافسية والتفاوض ككتلة عربية واحدة مع كيانات صناعة الدواء الكبرى لتحقيق أفضل نتائج.
وتناول العدد مقالًا بعنوان «تحليل آفاق الصناعات الدوائية في مصر» للأستاذة الدكتورة سالي محمد فريد أستاذ الاقتصاد ورئيس قسم السياسات والاقتصاد -كلية الدراسات الإفريقية العليا جامعة القاهرة-، واستعرض تحليل للمؤشرات الاقتصادية عن سوق الأدوية في مصر حيث بلغ حجم سوق الأدوية المصري 3 مليارات دولار في عام 2022 ومن المتوقع أن ينمو بمعدل سنوي 7% خلال الفترة 2022- 2027، ويتمثل أهم شركاء الصادرات المصرية من المنتجات الصيدلانية كل من «اليمن والمملكة العربية السعودية والعراق والسودان والهند»، كما تعد «سويسرا والولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا والصين» من الموردين الرئيسين للمعدات الطبية إلى مصر، وهناك شريكان لسوق صناعة الدواء شركات تملكها الدولة وشركات متعددة الجنسية هذا بالإضافة إلى الشركات المحلية وتعد أهم الشركات الرائدة في سوق الأدوية المصرية من الشركات متعددة الجنسيات هي «فايزر ونوفارتيس وجلاسكو سميث كلاين وسانوفي»، كما يعتبر مجال الصناعات الدوائية المحلية في مصر مجالًا قويًا.
وأشار المقال إلى القيمة السوقية للأجهزة الطبية في مصر والتي بلغت 4 مليارات دولار في عام 2021 ومن المتوقع أن تنمو بمعدل نمو سنوي يتخطى 3% خلال الفترة 2022- 2027، وتعد سوق الأجهزة الطبية المصرية هي ثاني أكبر سوق في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومن الشركات الرائدة في هذا السوق "أبوت وهي الأكبر حجمًا كنسبة من السوق، وفريزينيوس، وفيليبس، وأمبليفون، وأميكاث".
واستعرض المقال أيضًا الجهود المصرية في مجال الصناعات الدوائية والتي تمثلت في: 1- إعلان وزارة الصحة في مايو 2022 عن مبادرة برنامج تدريبي جديد للصيادلة حول الاستخدام الصحيح للمضادات الحيوية، 2- إعلان وزارة التضامن الاجتماعي عن إطلاق مؤسسة «فورست هياج» في أبريل 2022 والتي تركز على علاج الأطفال المصابين بأمراض نادرة مثل الضمور الشوكي، 3- استضافت الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة في يونيو 2022 مؤتمرًا لتوقيع 14 اتفاقية مع السعودية بقيمة 7.7 مليارات دولار أمريكي في قطاع الأدوية والطاقة المتجددة، 4- تعتبر مصر قضية توطين الدواء قضية أمن قومي وتم إطلاق هيئة الدواء لمبادرة «دعم التصدير» لدعم الصادرات المصرية من المستحضرات والمستلزمات الطبية، 5- إطلاق مبادرة الرعاية الصيدلية والتي تضم 100 مشروع للمساهمة في تطوير الممارسات الصيدلية في جميع مؤسسات الدولة ورفع مستوى الأداء الفني للصيادلة لتقديم دواء آمن للمريض، 6-بدأت مصر في إنشاء مركز إقليمي لصناعة الدواء يهدف إلى تمكين المواطن المصري من الحصول على علاج دوائي فعال وعالي الجودة وتحقيق الأمن الدوائي.
وتطرق المقال في ختامه إلى سبل دعم قطاع الصناعات الدوائية في مصر والتي تتضمن الآتي: 1- تطوير استراتيجيات العمل من خلال فهم الاتجاهات التي تشكل وتقود سوق الرعاية الصحية المصرية، 2- زيادة الإيرادات من خلال فهم الاتجاهات الرئيسة وسياسات السداد والسياسات التنظيمية وقطاعات سوق الأدوية والشركات التي من المحتمل أن تؤثر على سوق الرعاية الصحية في مصر في المستقبل، 3- صياغة استراتيجيات مبيعات وتسويق فعالة من خلال فهم المشهد التنافسي وتحليل أداء المنافسين، 4- تنظيم جهود المبيعات والتسويق من خلال دراسة السوق بشكل جيد وتحديد الاحتياجات من الصناعات الدوائية وكيفية تلبيتها.
اقرأ أيضاً
متحدث الوزراء: الحكومة تطمح للوصول إلى 30 مليون سائح سنويارئيس الوزراء يتفقد أنشطة معمل الابتكار الحكومي وبرامج بناء القدرات
رئيس الوزراء يتفقد عددا من المعامل الخاصة باحتضان الشركات الناشئة والابتكار
0 تعليق